قال البحتري:-كامل-
ذنبٌ كما سحبَ الرّداء يدُبُّ عن
عُرفٍ وعُرفٍ كالقناع المُسبَل.
فعاب عليه الآمدي قولَه هذا بحجّة أنّ الطّويل من الأذناب مذمومٌ عند الشعراء القدماء، فكيف إذا جرّه وسحبه فوق الأرض.
ثمّ وجدتُهُ-الآمدي- في موضع آخر من كتابه" الموازنة بين الطائيين" يذمّ على أبي تمام قوله:- وافر-
أآلفةَ النّحيبِ كـم افتـراق
أطالَ فكان داعية اجتماع.
وليستْ أوبة الأفـراح إلاّ
لموقوفٍ على ترحِ الوداع*
قال: ما سمعتُ بشاعر قطّ يستملحُ الوداع في شعره، وإنّما هو مذمومٌ كل ما ذُكر
فردّ عليه صاحب الأمالي- الشريف المرتضى-: إنّ الشعراء أمراءُ الكلام، يصرّفونه كيف شاؤوا، ألأا ترى إلى أحدهم إذا أراد مدح الشّيب، يراه علامة الوقار وبياض السّريرة وحكمة الدّهر و علامة النضوج، ثمّ إذا أراد ذمَّه يراه أبغض الألوان إلى النساء ويُدني الأجل وعلامة الهرم والكبر والضعف، فتذكّرتُ حين تذكّرتُ من يذمّه كالمتنبي حين قال:بسيط-
ضَيفٌ أَلَمَّ بِرَأسي غَيرَ مُحتَشِـمِ
وَالسَيفُ أَحسَنُ فِعلا مِنهُ بِاللِمَمِ
إِبعِد بَعِدتَ بَياضًا لا بَياضَ لَـهُ
لَأَنتَ أَسوَدُ في عَيني مِنَ الظُلَمِ.
ومن يمدحُه كالأخطل النصراني حين قال:-كامل أحذ مضمر-
صَدَّتْ شَريرُ وأزمعَتْ هجري
وصَغَتْ ضمائرُها إلى الغذر.
قالتْ كبُرتَ وشِبتَ قلتُ لها
هذا غبـارُ وقائـعِ الدّهـر.
وأبي تمام في قوله:-بسيط-
فلا يروعُكَ إيماضُ القتيرِ به
فإنّ ذاك ابتسامُ الرّأيِ والأدبِ.
إذن فلا جرم أنّ الشعراء أـمراء الكلام يُصرّفونه كيف شاؤوا، المهم الخرق والجدّة والإبداع و
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
*معنى البيتين: يا آلفةَ النّحيب لا يضيرُك هذا الفراق ولا تحزني له، لأنّه مجلبة للاجتماع، وكيف يكون اللّقاءُ حلوًا مليحًا ،وأوبةُ المسافر حلوة هي الأخرى ما لم يكن بعدها فراق تجفّ له العيون ويألم له القلب، ( أبو تمام يكشف في هذين البيتين عن قانون التناقض الذي يحيا به الناس).