بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله ....... خُلِقَ الموت راحة للنفوس الطيبة السعيدة و راحة من النفوس السيئة الخبيثة .
و نشهد أن لا إله إلا الله ..... جعل الحياة الدنيا الفانية مَعْبراً لحياة أخرى حقيقية باقية يسعد فيها المؤمنون بما أدوه من طاعات و يشقى فيها الكافرون بما أرتكبوه من سيئات .
ونصلى ونسلم على سيد الأولين و الآخرين صاحب الشفاعة العظمى و اللواء المعقود والحوض المورود وعلى أخوانه أنبياء الله ورسله وعلى أهل بيته الميامن وعلى أصحابه الطيبين وعلى زوجاته أمهات المؤمنين وعلى من سار على نهجهم إلى يوم الدين .
أولاً كيفية التوفى للموتى ؟
ذكر الله التوفى فى كتابه مجملاً مفصلاً :
فقال الله تعالى : (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ) النحل :32 .
و قال : ( قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ) السجدة : 11.
و قال : ( توفته رسلنا و هم لا يفرطون ) الانعام : 61 .
و قال : ( الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم ) النساء : 97 .
و قال : ( ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم ) الأنفال : 50 .
و قال : (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم ) محمد : 27 .
وروى مسلم عن ابن عباس قال :
بينما رجل من المسلمين يومئذ ، يشتد فى أثر رجل من المشركين أمامه ، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه و صوت الفارس يقول : أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه فخرَّ مستلقياً فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه و شق وجهه لضربة السوط فاخضرَّ ذلك أجمع فجاء الأنصارى فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( صدقت ذلك مدد من السماء الثانية ) فقتلوا يومئذ سبعين و أسروا سبعين . و ذكر الحديث و ذلك فى غزوة بدر .
فإذا سأل سائل :
كيف يقبض ملك الموت فى زمن واحد أرواح من يموت بالمشرق و المغرب ؟
فيكون الجواب :
أن التوفى مأخوذ من توفيت الَّدين و استوفيته إذا قبضته و لم تدع منه شيئاً ، وهو تارة يضاف إلى ملك الموت لمباشرته ذلك بنفسه ، و تارة إلى أعوانه من الملائكة ، لأنهم قد يتولون ذلك أيضاً ، و تارة إلى الله تعالى ، و هو المتوفى على الحقيقة .
قال تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها و التى لم تمت فى منامها فيمسك التى قضى عليها الموت و يرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الزمر :42 .
و قال تعالى : ( وهو الذى أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ) الحج : 66
و قال تعالى : ( تبارك الذى بيده الملك و هو على كل شئ قدير الذى خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا و هو العزيز الغفور ) الملك : 1 ، 2 .
فملك الموت يقبض الأرواح و الأعوان يعالجون و الله يزهق الروح . لكنه لما كان ملك الموت متولى ذلك بالوساطة و المباشرة أضيف التوفى إليه كما أضيف الخلق للملَك .
كما فى حديث ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق : ( إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ) الحديث خرجَّه مسلم و غيره .
فالأصل أن الله تعالى هو القابض لأرواح جميع الخلق على الصحيح ، و أن ملك الموت و أعوانه وسائط ، قال تعالى : ( قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ) السجدة : 11 ، فالله سبحانه و تعالى هو خالق ملك الموت ، و خلق على يديه قبض الأرواح و انسلالها من الأجسام و اخراجها منه ، و خلق جنداً يكونون معه يعملون عمله بأمره ، فهذا نوع من الشرف أعطاه الله تعالى لملك الموت و ملائكة معه فى قبض أرواح العباد .
لكن ليس العبرة بأن نعرف من الذى يقبض الروح فالموت آت..آت إنما العبرة هى ماذا أعددنا لنجاة الروح من العذاب .
فتفكر يا مغرور فى الموت و سكرته ، و صعوبة كأسه و مرارته
فيا للموت من وعد ما أصدقه ،ومن حاكم ما أعدله ، كفى بالموت مقرحاً للقلوب ، و مبكياًً للعيون ، و مفرقاً للجماعات ، و هاذماً للذات ، و قاطعاًً للأمنيات .
فهل تفكرت يا ابن أدم فى يوم مصرعك ، و انتقالك من موضعك ، و إذا نقلت من سعة إلى ضيق ، و خانك الصاحب و الرفيق ، و هجرك الأخ و الصديق ، و أخذت من فراشك و غطائك إلى غرر ، و غطوك من بعد لين لحافك بتراب و مدر .
فيا جامع المال و المجتهد فى البنيان ليس لك و الله من مال إلا الأكفان ، بل هو والله للخراب و الذهاب ، و جسمك للتراب و المآب ، فأين الذى جمعته من المال ؟ فهل أنقذك من الأهوال ؟ كلا بل تركته إلى من لا يحمدك ، و قدمت بأوزارك على من لا يعذرك .
ألا أيها المـغرور مـالـك تلعــــب ... تؤمل آمـالاً وموتـك أقـرب
وتعلم أن الحـرص بحـراً مبعــد ... سفـينته الدنيا فإيـاك تعـطـب
وتعلم أن الموت ينقض مسرعـاً ... عليك يقيناً طعمه ليس يعذُب
كـأنك توصـى واليـتامى تراهـم ... وأمهـم الثكلى تـنوح وتندب