مواجهة الظلم
والطموح وعلو الهمة الذي ربانا عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يفرض على المسلم أن يأبى الذل ويرفض الهوان، فالمسلم في كل أحواله: في غناه وفقره في قوته وضعفه ومرضه، لابد أن يكون قوة مرهوبة الجانب، يقف في كل المواقف، وفي جميع المعارك والشدائد صامدا كالجبل الأشم، فهو أولاً لا يشعر بكرامة الإنسان التي فضله الله بها، ويزهو ثانيا بأمجاده العربية في ميادين الشرف، ويعتز ثالثا بالإسلام الذي ارتضاه الله له دينا، وبالأمة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس.
لقد ربانا الإسلام على مواجهة كل صور الظلم والعدوان ودفعنا إلى مقاومة كل عدوان يستهدف احتلال أرضنا أو استنزاف ثرواتنا، أو إهدار حقوقنا ودفعنا إلى الدفاع عن حقوقنا المغتصبة مهما كلفنا ذلك من تضحيات.
ولنا أن نتأمل هنا هذا الموقف الرائع الذي ضربه الأوس والخزرج حين عرض عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم مشروع الصلح مع الكفار في غزوة الأحزاب والذي ينص على اعطائهم ثلث تمر المدينة، ليرجعوا دون قتال، فقالوا له: هل هذا المشروع وحي من الله لابد أن نقبله.. أم أمر تحبه نفسك فنوافقك عليه.. أم شيء عملته لمصلحتنا فنرى فيه رأينا ؟
فقال عليه الصلاة والسلام: بل هو لمصلحتكم وفيه حقن لدمائكم ، فقالوا له: لقد كنا نحن وهؤلاء في الجاهلية على الشرك وعبادة الأوثان، ومع ذلك ما كان يطمع واحد منهم في تمرة واحدة من تمرنا إلا بيعا أو قرى، أفبعد أن أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم ثلث تمرنا، والله لا يكون هذا أبدا، وليس بيننا وبينهم إلا سيف حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
بهذا المنطق الرائع النابع من الإيمان القوي بكرامة النفس والاعتزاز بالإسلام رفض المسلمون الأوائل أي موقف أو مشروع يمس كرامتهم، وأصروا على المقاومة ورفض المهانة مهما كانت نتيجة المواجهة، فالاستشهاد في سبيل الشرف خير من حياة تلوثها الذلة، والهوان، وكان جزاء هذه القوة وهذا الإيمان الرائع نصرا مؤزرا قدمه الله إليهم هدية: ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا .
ما أحوجنا اليوم إلى هذه القوة وهذه الروح التي زرعها فينا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم خاصة، ونحن نواجه معارك سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية تحتاج من المسلمين إلى صلابة وقوة وعزيمة وصبر حتى يكتب الله لهم العزة والنصر.